|
مما انتقده السلفيون على الإخوان المسلمين أيضًا ما يعتبرونه أنه ميل لدى الإخوان المسلمين لما يسمونه بتمييع القضايا مع أهل البدع كالشيعة والصوفية وغيرهم، ولا يهتمون بقضايا العقيدة الإسلامية والالتزام التام بسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما انتقد السلفيون طريقة الإخوان المسلمين في تربية أعضاء الجماعة لأنها تعتمد على طريقة الطرق الصوفية رغم ابتداع الأخيرة ..
من هنا فأحببت أن أنبه إخواني وأخواتي القراء لماهية منطلقي في الكتابة، كي تتضح لهم صورة ما أكتبه جيدًا، فأنا في أصول الفقه أميل لمنهج إمام الدنيا الإمام الشافعي رحمه الله، وفي الفروع الفقهية أختار مرتكزًا على الدليل وفقًا لهذا المنهج الأصولي، ومن هنا أختار كثيرًا من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية -الذي بدأ حنبليًا- لأنه متأخر، فأطلع على صحيح الأدلة التي تجمعت في العصور المتأخرة.. ..
في يونيو من عام ألفين وثلاثة عشر كان التيار الإسلامي بصفة عامة قد وضحت صورته عند الشعب المصري، وقد وقف الشعب على إمكانياته وقدراته في إدارة شئون الدولة، وكان الإخوان المسلمون بصفة خاصة وحزبهم الحرية والعدالة قد ساروا في طريق خاص بهم، خسروا فيه الصديق قبل العدو، ومارسوا من الأساليب السياسية ما صدم الجميع دون استثناء، ولم يبق للإخوان المسلمين من ظهير إلا حملة البيعة للمرشد داخليًا وخارجيًا وبعض الكيانات التي أنشأوها تحت أسماء مختلفة، كما هو الحال بعد الانقلاب على غرار المجلس الثوري وغيره. ..
العلمانيون لا ينسون أن يرفعوا شعار أنهم رسل للحضارة وسفراء للارتقاء والسلام، ولعل المتتبع ولو من بعيد لهذا الركز يقف دون عنث على فصامهم وصفاقة دعواهم، ذلك أن من أدبيات مواجهة العلمانية والعلمانيين للصحوة الإسلامية المباركة رفع شعارات من قبيل الرمي بتهمة الظلامية والرجعية والتقليدية والجاهلية، واللاعقلانية واللإنسانية وحبل المعطوفات طويل الذيل يكاد تنطوي في جوفه كل أشكال النبز والشتيمة. ..
لقد تناول المستشرقون جل العلوم الإسلامية بالدراسة والبحث، والتي أضحت فيما بعد ملجأ العلمانيين في تكوينهم؛ فنجد بحوثًا وكتابات عن القرآن والسنة والفقه والقانون واللغة العربية، لكن قل من تناول جانبًا مهما وهو النظام السياسي الإسلامي، الذي سنقتصر على عرض مناهجهم في دراساتهم إياه، باعتبارها الباب الذي يلج من خلاله العلمانيون لنفي وجود نظام سياسي إسلامي. ..
هؤلاء الأرايتيون الذين يبحثون في الأنظمة الإسلامية الفقهية تحت أنظمة غير إسلامية، هم الذين يبحثون في فراغ، لأن أنظمة الإسلامية الفرعية لا تسمح بها أنظمة الحكم القائمة بالتطبيق، بل تعرقلها وتحاربها، ففيم البحث إذن؟! وفقههم سوف يبقى فقها في الأوراق لا يجد الواقع الذي يُطبَّق فيه ويعيش فيه. لقد أنكرها السلف رحمهم الله حين كانت أرأيتيات فردية، فكيف بها وهي أرأيتيات مؤسساتية؟! ..
لست أشك أن بعض المنتسبين للحركة الإسلامية يتعالون على النقد بسبب كِبْر مستحكم، يجعلهم يُحلّون أنفسهم في مرتبة الذي لا يتطرق الخطأ إلى أقواله وأفعاله! ولا أشك أيضًا أن بعضهم يعانون من نوع تواضع مَرَضي، يجاوز هضم النفس إلى تعمّد جلدها، ويجعلهم يسوّون أنفسهم بعتاة الفجار المناوئين للدين والمسيئين للأمة! ..
فهذا التفكير المنطقي يشترط الإجماع للاتفاق على النص، وحين يأتي الإجماع يشكِّك في صحته وإمكانيَّته، وحين يزول هذا التشكيك يرجع ليتمسَّك بأي قَشَّة من أقوال المعاصرين! هل لهذه الظاهرة تفسير أو علاج خير من أن يقرأ فيها قول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ..
فإِنّ أعظم الأصول المهمة في دين الإِسلام تحقيق الإِخلاص لله تعالى في جميع العبادات، قال بعضهم: الإِخلاص هو ألا تطلب على عملك شاهدًا غير الله تعالى، رأيته في أحد الحوارات حول بعض الأحكام الشرعية يكرر مرة بعد مرة (لا يمكن أن تقنع الناس بهذا)، وهذا (يقنع الناس بسهولة)، وهو (شيء مرفوض عند الناس).. يعيد هذه العبارات في سياق دعم القول الذي يميل إليه أو إضعاف الرأي المقابل. لفت نظري تكرار مضمون هذه الكلمة (لا يمكن أن تقنع الناس بهذا) فشدني إلى التفكير فيها: ما علاقة معرفة (الحكم الشرعي) بكيفية (إقناع الناس) به؟ولا مجازٍ سواه ..
لن يجد القارئ للانحرافات الفكرية المعاصرة عناءً في إدراك طريقة تسويق كثير من الانحرافات المعاصرة من خلال رفعها على مِنَصَّة الخلاف الفقهي، وأصبح الاستناد إلى خلاف الفقهاء غالباً على كثيرٍ من تلك الدراسات والمقالات، ومع أنَّ الانحراف الفكري يستند إلى الخلاف الفقهي؛ إلا أن طبيعة الخلاف الفقهي وسموَّ مرجعيته وشخصية أهله تجعله غير قابل للتقليد؛ فينكشف سريعاً كلُّ من يحاول أن يغطِّي انحرافه بستار الخلاف الفقهي، وتبدو البقع السوداء واضحة عن يمينه وشماله؛ كاشفةً للبصير براءة الخلاف الفقهي من هذا الانحراف. ..
إن ما يجري في سورية هو أحد الفصول الدامية في التاريخ الإسلامي، وهو نتيجة مباشرة لتمييع القضايا الأساسية، وعدم الاهتمام بالأسس التي تقوم عليها الأمم، والخلط بين حقوق الرعية كافة في العيش الكريم والرعاية والعدالة مع واجب الحماية، وإدارة الدولة التي تنحصر فيمن ينتمي للأمة، وكلما كان الانتماء تاماً كان أفضل وأكمل مع عدم التفريط في الأصل وهو الدين. ..
|