|
|
شبكة المرابط الاسلامية - - الإثنين 9 / 02 / 2015 - 11:33 مساءً |
|
الحكمة وطول النفس علي بن عمر بادحدح بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يواجه الداعية أصنافًا من الناس فمنهم من يكون عظيم التأثر سريع الاستجابة، ومنهم من يقتنع بالحق ويعجب به لكن يعوقه عن الاستجابة ضعف عزيمته أو هوى نفسه، وهناك صنف من الناس يعرضون عن الحق وينفرون منه كأنما ختم على قلوبهم، وبعض أولئك ينصبون أنفسهم في مواجهة الدعوة ويبذلون جهدهم في حربها وتخذيل الناس عنها بالشبهات والشهوات، مع حرصهم على تثبيت الباطل والترغيب فيه والترويج له، وهذا الصنف من الناس سماهم الله بـ(الملأ) وهم -كما قال ابن كثير- يسعون في التحريض للنيل من أهل الحق كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف:127].
ويجتهدون في تشكيك المستجيبين كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ} [الأعراف:90].
وهم دائمًا في حركة واجتهاد في سبيل الباطل كما وصفهم الله: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6].
والداعية ينبغي أن يكون قوي الحجة، طويل النفس، حكيم الأسلوب، فلا يأس عنده وإن كثر المعرضون، ولا تهور لديه وإن زاد المتحرشون، بل يجتهد في تكثير الأدلة وزيادة البراهين مع كشف الشبهات ودحض الافتراءات ليكون لذلك أثره في إقناع وهداية بعض المعرضين أو إضعاف حميتهم للباطل أو تفتيت صفهم، فلا ينبغي أن يكون من الداعية لشر يدفعه، بعد جولة أو جولتين أن يعلن يأسه من المعرضين وسخطه عليهم واتهامه لهم بالاستكبار على الحق أو الكفر أو غيره، فالداعية طبيب، والطبيب إذا زادت علة مريضه لم يدفعه ذلك إلا إلى المزيد من الرحمة والاجتهاد في التماس أساليب العلاج دون أن يخطر على باله أن يتخلى عنه، ولذا كان التحلي بالصبر وسعة الصدر مع بعد النظر يعطي للداعية ثباتًا وقدرة على بذل مزيد من الجهد، وتنويع أساليب العرض، ولهذا أثره العظيم في المحايدين الذين يرقبون مواقف الداعية وتصرفاته.
وللداعية مثل عظيم يحتذى في موقف نوح عليه السلام من الملأ واتباعهم، فإنه: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت:14].
ونوّع الأساليب في دعوتهم:
{إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:5]، {ثم إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح:9].
ثم جاء موقف الملأ: {قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأعراف:60].
هذا هو الموقف برغم طول الزمان الذي أمضاه، وضخامة الجهد الذي أضناه، وتنوع الأسلوب الذي توخاه، ومع ذلك ما نفد صبره وما خرج عن مقتضى الرحمة والحكمة:
{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ . أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:61، 62].
فهل استمرت دعوتك -أخي الداعية- عشر معشار مدة نوح؟ وهل لقيت عشر معشار إعراض قومه الذين قال فيهم: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:7].
إذن ألا يحق لنا أن نعتب عليك لما دبّ في نفسك من اليأس، وما وصمت به الناس من الكبر أو الفسق أو الكفر برغم أنك لم تبلغ جهدك في إقامة الحجة طول المدة، إذن فليكن لك -يا أخي- عشر معشار ما كان لنوح من الحكمة وطول النفس.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
المصدر: مجموعة مواقع مداد
|
|
|
عرض الردود
|