شبكة المرابط الاسلامية - - الجمعة 30 / 10 / 2020 - 09:45 صباحاً
إنا كفيناك المستهزئين ... إشارات وهدايات..
الحمد الله {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} ، والصلاة والسلام على تكفل ربه بعصمته من الناس فقال تعالى {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ، أما بعد: فهذه بعض الإشارات وشيء من الهدايات نحاول تلمُّسْها من قوله تعالى:( {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} )، في وقت غربة شديدة فكما تتطاول سابقاً الأعداء والمنافقون على جناب الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا كان لهم خلف فقد «بدأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأ فطُوبِى للغرباءِ) ،ونسأل الله تعالى أن يجعلنا : مَن الغرباءُ؟: الذين يصلحون إذا فسد الناسُ»، وأيضاً «هم الذين يُصلِحون ما أفسد الناسُ من سنتي» ، فإلى الهدايات:
* وردت هذه الآية في سورة الحجر والتي من أهم مقاصدها (تثبيتُ المؤمنينَ)، فمن تعرض للاستهزاء قد يُضْعُف فجاءت هذه السورة كسلوان للنبي صلى الله عيه وسلم من أذى المشركين لا سيما الاستهزاء.
*السورة التي وردت فيها الآية مكية، والفترة المكية كانت فترة استضعاف، فالمشركون مع قوتهم المادية وضعف المسلمين إلا أنهم لجئوا إلى الاستهزاء وذلك لإفلاسهم من الحجة، فكلما أفلس الكافرون والظالمون من الحجة والبرهان؛ لجئوا إلى السخرية والاستهزاء.
*(السورة مكية ونزلت في وقت اشتد الأذى على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين في مكة وتعرضوا للاستهزاء والاتهام كحال المسلمين الآن فجاءت هذه السورة وكأنها رسالة قرآنية من الله تعالى ليطمئن رسوله والمسلمين أن هذا الدين محفوظ من الله تعالى وما على المسلمين إلا الاستمرار في الدعوة والتركيز عليها وعدم الانبهار بقوة أعدائهم أو الاستشعار بالضعف والوهن والانهزامية أمام الأعداء).
* (هذه الآية جاءت بعد الأمر بالصدع، فهي وعد من الله عزّ وجل لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتطمين وتثبيت بأنه معه إذا بلّغ) وهكذا فإن الداعية إلى الله الصادع بالحق لا يثنيه الاستهزاء، فما دام يسير على خطى المصطفى فقد كُفِىَ المستهزئين.
* من هدايات الآية أن الاستهزاء يحز في النفس كثيراً ويضيق الصدر {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} وقد يثبِّط الداعية ما لم يكن له عَوْن من الله، فأَمْر الاستهزاء عظيم جدا ولذلك مَنْ استهزأَ بالرسول صلى الله عليه وسلم كَفَرَ بعد إسلامه وقتل بالأجماع وإنما اختلف العلماء هل يُقْتَل إذا تاب أم لا قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
* الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم اختبار لصدق إيماننا وعمق محبتنا وامتحان لولائنا لله ورسوله وبراءتنا من أعداء الله والمستهزئين برسوله صلى الله عليه وسلم وإلَّ فقدا كفى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المستهزئين حياً وميتاً.
* قال الله تعالى لنبيه قبل هذه الآية {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أي (أي: فاجهَرْ بدينِ اللهِ- الذي أمَرْناك بتبليغِه- وأظْهِرْه علانيةً، وفرِّقْ بين الحَقِّ والباطلِ حتى تقومَ على النَّاسِ الحُجَّةُ ) ، فالصدع بالحق يغيض الأعداء فيلجئون إلى أذية أهل الحق بشتى الوسائل ومنها الاستهزاء.
* في الآية حماية الله تعالى ونصرته لأنبيائه وأتباعهم، فقد تولى تعالى بنفسه الدفاع عن أهل الحق وهذا نظير قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}.
* (لَمَّا كان الصَّدعُ في غايةِ الشِّدَّةِ عليه- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لكثرةِ ما يَلقَى مِن الأذَى؛ خَفَّف عنه سُبحانَه بقَولِه مُعَلِّلًا له {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} .
* (قولُ الله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} التعبيرُ عنهم بوصفِ المُستَهزِئينَ إيماءٌ إلى أنَّه كفاه استهزاءَهم، وهو أقَلُّ أنواعِ الأذَى، فكفايتُه ما هو أشَدُّ مِن الاستهزاءِ مِن الأذَى، مَفهومٌ بطريقِ الأحْرَى)، ( يقال: كَفَيْتَ فلانًا المؤنة إِذا توليتها ولم تحوجه إِليها).
* (في كفايةِ اللهِ لِرَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعداءَه، وعِصمتِه له من النَّاسِ، آيةٌ لنبُوَّتِه) فلم يستطع أن ينال منه أعداءه ويوقفوا دعوته، فقد بدأ عليه الصلاة والسلام وحيداً، ويوم القيامة هو أكثر الأنبياء تبعاً، حيث قال:( «والَّذي نَفسي بيدِهِ ، إنِّي لأرجو أن أَكونَ أَكثرَهُم تَبعًا» ) أتباعاً {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} .
* (تَأكيدُ الخبرِ بـ (إنَّ) لتَحقيقِه؛ اهتمامًا بشَأنِه، لا للشَّكِّ في تَحقُّقِه) فالله تعالى لا يخلف الميعاد، {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ}، وهذه عادة الله مع أوليائه {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا}.
* (التَّعريفُ في (الْمسْتَهْزِئِينَ) للجِنْسِ، فيفيدُ العُمومَ)، فكل مستهزئ من رسولنا فيما مضى أو مستقبلاً، فرداً أو جماعه، بوسيلة قديمة أو حديثة، فإن الله الحي الذي لا يموت كافي نبيه وناصره {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ} .
* الذين استهزءوا بالرسول صلى الله عليه وسلم {كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ} ، ووبال استهزائهم عائد عليهم {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وأعز الله نبيه صلى الله عليه وسلم فانظر الفرق الشاسع وتدبَّر نصر الله تعالى لنبيِّه ومن اقتفى أثره {فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.
* (في قوله: "إنَّا" إشعارٌ بالقوة والقهر، والعظمة وشديدِ البَطْش، وأن الذي سيكفيك هو الْمَلِك الكبير الْمُتعال، القاهِرُ فوق عباده)، فيا أيها الدعاة أنتم تلجؤون إلى ركن شديد ومعكم (العَزِيزِ الحَمِيدِ) .
* في قوله (الْمُسْتَهْزِئِينَ)، جمع يدل على أنهم كثرة وأيضاً (كانوا من أكابر الكفار وأهل الشوكة فيهم، فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر من هو دونهم بالأولى).
* الكفار (كانوا يعيبون من جَحَد إلهية أصنامهم وهم جاحدون لإلهية الرحمن؛ وهذا غاية الجهل).وفي هذا بيان سفهم في سخريتهم فإنهم على باطل ولا يستطيعون البرهان عليه من نقل أو عقل، فهم أجدر أن يُستهزأ بهم.
* في الآية أيضا دلالة على سقوط الأقنعة عند الأعداء، فكفار قريش الذين يرون أنفسهم سادة العرب وأهل بيت الله الحرام وأصحاب الرفادة والسقاية، ولكن عندما يتم المساس بباطلهم ينزلون إلى أحط دركات الإنسانية وأسفه منحدرات الأخلاق، وهكذا في زماننا، لا يجوز ازدراء الأديان إلا أذا كان الإسلام، ومعادة السامية محرَّمة ومجرَّمة إلا إذا كانت تستهدف عقيدة المسلمين، [ {وَيَجْعَلُونَ للهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الحُسْنَى} ].
* (في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تعالى «من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» " فكيف بمن عادى الأنبياء؟)، فالذي يعادي ويستهزئ بالأنبياء وأتباعهم فهو مخذول ومهزوم ومقهور مِنَ [اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ] فهذه سنة الله تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
فليكن لكل منا موقف حسب طاقته في مواجهة هذه الحرب التي تستهدف دين الله تعالى بالطعن والاستهزاء بـ (سيدُ ولدِ آدمَ ) و(أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه ) و(أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ) ولواءُ الحمدِ بيده يومَ القيامةِ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .
المراجع:
موقع الدرر السنية: موسوعة التفسير: سورة الحجر آية (95).