« ط´ظ‡ط±ظڈ ط§ظ„طµظ‘ظگظٹط§ظ…ظگ ظˆط§ظ„ظ‚ظگظٹط§ظ…(ط®ط·ط¨ط©) » شهرُ الصِّيامِ والقِيام عبدالمحسن بن إبراهيم اللعبون الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له إلهُ الأولينَ والآخِرينَ، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمينَ، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم على خيرِ عبادِكَ أجمعينَ مُحمَّدٍ بنِ عبدِ اللهِ إمامِ المرسلينَ. أمَّا بعدُ: فيا أيُّها المسلمونَ اتقوا اللهَ تعالى فإنَّ تَقواهُ وَصيَّتُهُ للأولينَ والآخِرينَ، وإنَّ مِن أعظمِ أسبابِ التَّقوى صِيامَ شَهرِ رمضانَ فقد قالَ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فقالَ لعلَّكم تَتقونَ وهذا تَعليلٌ للأمرِ بالصِّيامِ وهذا مُشَاهدٌ اليومَ في سلوكِ النَّاسِ، فإنَّك ترى في هذا الشَّهرِ الكريمِ كَثرةَ الُمصَلِّينَ وكثرةَ القارئينَ لكتابِ اللهِ العظيمِ وهذا دليلٌ مِن الواقعِ على أنَّ الصِّيامَ سببٌ مِن أسبابِ تقوى اللهِ. ولكي يَستكمِلَ هذا الشَّهرُ فَوائِدَه وحِكْمةَ مَشْرُوعيَّتِهِ كان لا بُدَّ مِن التَّنبيهِ على أمرينِ: الأولُ: أنَّ هذا الشَّهرَ هو شَهرُ الصِّيامِ أي شهرُ تَقليلِ الأكلِ والشَّرابِ ولكنْ مع الأسفِ الشَّديدِ يَأْكُلُ بعضُ الناسِ في ليلِ رمضانَ أضعافَ ما كان يَأْكُلُ في غيرِ رمضانَ وهذا يُخالفُ مَشرُوعيَّةَ الصِّيامِ فإنَّ كَثرةَ الأكلِ تُتعِبُ البَدنَ وتُثقِلُهُ عن عَملِ الطَّاعاتِ وتُفقِدُ الإنسانَ الشُّعورَ بالجُوعِ فلا تتغيرُ حَالُه في رمضانَ عن حالِه فيما سِواهُ قالَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «ما ملأَ ابنُ آدمَ وعاءً شرًا مِن بَطْنِه»[1]. الأمرُ الثَّاني: أنَّ هذا الشَّهرَ هو شَهرُ القِيامِ وقِراءةِ القُرآنِ وبَعضُ النَّاسِ يُفَرِّطُ في المُحَافظةِ على صَلاةِ التَّراويحِ والتَّهَجُّدِ ويُضَيِّعُ لياليَ هذا الشَّهرِ في القِيلِ والقَالِ، وهذا يُخالفُ مَشْرُوعيَّةَ ما سَنَّهُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رمضانَ مِن القِيامِ وقِراءةِ القُرآنِ. فهذانِ أَمْرانِ مُهمَّانِ وهُما أنَّ هذا الشَّهرَ هو شَهرُ الصِّيامِ والقِيامِ فَرَضَ اللهُ صِيامَه وسَنَّ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِيامَه ومَن خَالفَ هَذينِ الأَمرَينِ فقد خَالفَ ما أرادَ اللهُ لعبادِه مِن فَوائدِ هذا الشَّهرِ العَظيمِ شَهرِ الصَّبرِ والاحتسابِ. ومن هَدْي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الشَّهرِ أنَّه يَجعلُ ليلَهُ بينَ نَومٍ وقِيامٍ فإذا كان آخِرُ الشَّهرِ في العَشرِ الأوَاخِرِ شَدَّ المِئزرَ وأحْيا الليلَ كُلَّه وأيَقظَ أهلَهُ[2] التماسًا لليلةِ القَدْرِ، وبَعضُ النَّاسِ يَفتُرُ في آخرِ هذا الشَّهرِ ويَنتهزُ فُرْصَةَ الإجازةِ لقَضاءِ لوازمِ العيدِ ويقضي العَشرَ الأَواخرَ في شرِّ الأماكنِ عِندَ اللهِ وهي الأسواقُ وكأنَّ رمضانَ وقتٌ للاستعدادِ ليومِ العِيدِ وإنَّما يَومُ العيدِ هو فرحةٌ بما قدَّمَ المسلمُ في شهرِ رمضانَ مِن عملِ الطَّاعاتِ. فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واغتنمُوا فُرَصَ هذا الشَّهرِ واستفيدُوا مِن الحِكَمِ التي شُرِعَ مِن أجلِها شَهرُ الصِّيامِ والقِيامِ واستعينُوا على نَهارِ صَومِكم بأكلةِ السَّحرِ ففي صحيحِ مُسلمٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «فَصلُ ما بينَ صِيامِنا وصِيامِ أهلِ الكِتابِ أَكْلةُ السَّحرِ»[3] وفي حديثٍ آخرَ رواهُ أحمدُ: «السَّحورُ كُلُّه بَركةٌ فلا تَدَعُوه ولو أنْ يَجرعَ أَحدُكُم جُرعةً مِن ماءٍ فإنَّ اللهَ وملائكتَهُ يُصلُّونَ على المُتَسحِّرينَ»[4] وقالَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «تَسحَّروا فإنَّ في السَّحورِ بركةً» مُتفقٌ عليهِ[5]. فاتقُوا اللهَ تعالى واستجيبُوا للهِ وللرَّسولِ إذا دعاكُم، قالَ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]. بارَكَ اللهُ لِي ولَكُمْ في القُرآنِ العَظيمِ، ونَفَعَني وإِيَّاكُمْ بِما فيهِ مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الحَكيمِ. الخُطبةُ الثانيةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّناءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ اللهَ فَرَضَ علينا الصِّيامَ لحِكَمٍ كَثيرةٍ خَفيَّةٍ وظَاهرةٍ ومما ظَهرَ مِنها أنَّ في الصِّيامِ حَثًّا على رَحمةِ الفُقراءِ وإطعامِهم، وسدِّ جَوعاتِهم لما قد عَاينَهُ الصَّائمُ مِن شدَّةِ المَجاعةِ في صَومِه، وقد قِيلَ ليُوسفَ عليهِ السَّلامُ: أتَجُوعُ وأنتَ على خَزائنِ الأرضِ؟ فقالَ إنِّي أخافُ أنْ أَشبعَ فأَنْسى الجَائعَ[6]. ومِن حِكَمِ الصَّومِ قَهْرُ النَّفسِ وإذلالُها وكَسرُ الشَّهوةِ المُسْتَوليةِ عليها، وإشعارُ النَّفسِ بما هي عليهِ مِن الحَاجةِ إلى يَسيرِ الطَّعامِ والشَّرابِ، والمُحْتاجُ إلى الشَّيءِ ذليلٌ به، وبهذا احْتجَّ اللهُ تعالى على مَن اتَّخذَ عيسى بنَ مريمَ وأُمَّهُ إلهينِ مِن دُونِه فقالَ تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾ [المائدة: 75]، فجَعلَ حَاجتَهُما إلى الطَّعامِ نَقصًا فيهِما عن أنْ يَكُونا إلهينِ. وقد وَصفَ الحَسنُ البَصرِيُّ رَحِمهُ اللهُ نقصَ الإنسانِ فقالَ: «مسكينٌ ابنُ آدمَ، مَحتومُ الأجلِ مَكتومُ الأملِ، مَستورُ العِللِ، يتكلَّمُ بِلَحمٍ، ويَنظرُ بشحمٍ، ويَسمعُ بعظمٍ، أسِيرُ جَوْعةٍ، صَريعُ شَبعةٍ، تُؤذيه البَقَّةُ، وتُنْتِنُه العَرْقةُ، وتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ، لا يَملكُ لنَفْسهِ ضَرًا ولا نَفعًا ولا مَوتًا ولا حَياةً ولا نُشُورًا»[7] فانظر إلى لُطفِه بنا فيما أَوجَبَهُ مَن الصِّيامِ علينا، كيف أَيقظَ العُقُولَ له، وقد كانت عنه غَافلةً أو مُتغافلةً، ونَفَع النَّفُوسَ، ولم تَكنْ لولاهُ مُنتفِعةً ولا نَافِعةً. وصَلُّوا وسَلِّموا على مَن أُمرتُم بالصَّلاةِ والسَّلامِ عليه فقد قالَ تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهُمَّ صلَّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك مُحمَّدٍ وارضَ اللهُمَّ عن الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَن تَبِعهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ وعنَّا مَعهُم بمَنِّكَ ورَحمتِك يا أرحَمَ الرَّاحمينَ. اللهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَّ أعداءَ الدِّينِ واجعلْ هذا البلدَ آمنًا رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ. وَوفِقْ وُلاةَ أمرِنا لما تُحبُهُ وتَرضاهُ واجعلهُم هُداةً مُهتدينَ صَالحينَ مُصلحينَ وارزقهُم البِطانَةَ الصَّالحةَ النَّاصِحةَ مِن المؤمنينَ وأبْعِد عنهُم بِطانةَ السُّوءِ يا ربَ العالمينَ اللهُمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهُم والأمواتِ، اللهُمَّ تُبْ على التائبينَ واغفرْ ذنوبَ المُذنبينَ واقضِ الدَّينَ عن المدَينينَ واشفِ مَرضى المُسلمينَ برحمتِك يا أَرحمَ الرَّاحمينَ. وتَقبَّل منَّا الصِّيامَ والقِيامَ يا عظيمَ الرَّحمةِ والغُفرانِ. اللهُمَّ ادفعْ عنَّا الغَلا والوبَا والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والقَحْطَ والمِحنَ وسُوءَ الفِتَنِ ما ظَهرَ مِنها وما بَطنَ. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُرْبى ويَنهى عن الفَحشاءِ والمُنكرِ والبَغي يَعِظكُم لعلَّكم تَذكَّرونَ. فاذكروا اللهَ يذكرْكم واشكروه على نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون. [1] أخرجه الترمذي (2380)، وابن ماجه (3349)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5674). [2] أخرجه البخاري (2024)، ومسلم (1174). [3] أخرجه مسلم (1096). [4] أخرجه أحمد (3 /12)، وقال الألباني في صحيح الترغيب (1070): حسن لغيره. [5] أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095). [6] أخرجه الدينوري في المجالسة (192)، وأبو نعيم في الحلية (6 /273)، والبيهقي في الشعب (5291). [7] ذكره الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص 91). » تاريخ النشر: الجمعة 24 / 05 / 2019 - 10:30 مساءً » تاريخ الحفظ: الجمعة 29 / 03 / 2024 - 08:35 صباحاً « شبكة المرابط الاسلامية » URL: http://www.morabt.com